تشو شيوان
في ظلّ عالم يشهد تحولات جيوسياسية واقتصادية عميقة، تُعقد القمة ال25 بين الصين والاتحاد الأوروبي في بكين هذه الأيام، حاملةً معها آمالًا كبيرةً بإعادة تعريف العلاقات بين القوتين الاقتصاديتين، وتأتي هذه القمة في وقتٍ تتصاعد فيه التحديات المشتركة من الحرب التجارية الأمريكية والتي طالت حلفاء الولايات المتحدة، وأقصد هنا دول الاتحاد الأوروبي إلى الأزمات الجيوسياسية التي باتت تعصب بالقارة الأوروبية، مما يجعل القمة منصةً حيويةً لتعزيز التعاون الثنائي ومواجهة السياسات الأحادية التي تهدد الاستقرار العالمي خصوصاً وأن الصين شريك قادر على معادلة الموازين بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وهناك العديد من الاتجاهات المشتركة بين الطرفين.
لا تُخفي الصين والاتحاد الأوروبي وجود خلافاتٍ بينهما، أبرزها الاختلالات التجارية، حيث سجل الاتحاد الأوروبي عجزًا تجاريًا مع الصين بلغ 304.5 مليار يورو عام 2024، مدفوعًا بفائض الإنتاج الصيني في قطاعات مثل السيارات الكهربائية والألواح الشمسية، وقد ردّ الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية تصل إلى 45.3% على السيارات الكهربائية الصينية، مما دفع بكين إلى الرد برسوم انتقامية على بعض الصناعات الأوروبية، ولكن هذه الخلافات خلافات تجارية يمكن تسويتها من خلال اتفاقيات مناسبة للطرفين.
الخلافات ليست عصيّةً على الحل، وفي القمة الحالية تبدو بوادر انفراجةٍ واضحة حيث يدرس الاتحاد الأوروبي استبدال الرسوم الجمركية ب"حصص سعرية دنيا" للسيارات الكهربائية الصينية، وهي خطوةٌ تُظهر مرونةً من الجانبين، كما إن إشارة الصين لرفع العقوبات عن بعض البرلمانيين الأوروبيين بادرة حسن نيةٍ لتهدئة الأوضاع، وأيضًا الصين دائما ما ترسل رسائل إيجابية للاتحاد الأوروبي وتطالب بأن تكون العلاقة بين الطرفين علاقة تبادل تجاري قائم على المصالح المشتركة، وفيما يخص السياسة الصين لا تعارض ما تنتهجه الدول الأوروبية تجاه دول العالم، بل تجد أن من واجبها أن لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى وهذه النقطة يجب أن يقابلها نفس المعاملة من الجانب الأوروبي.
التشاركية كحلّ استراتيجي، وهنا يُطرح تساؤل مهم لماذا يجب على الصين وأوروبا التعاون؟ والإجابة واضحة أهمها مواجهة السياسات الحمائية للولايات المتحدة، التي فرضت رسومًا جمركيةً بنسبة 30% على الواردات الأوروبية و125% على الصينية قبل الوصول لهدنة، وهنا تبرز فرصةٌ ذهبيةٌ للصين والاتحاد الأوروبي لتعزيز التكامل الاقتصادي فكلاهما ضحيةٌ لسياسات "أمريكا أولاً" التي يتبناها ترامب، والتي لا تفرق بين حليفٍ وخصم، ومن هذه النقطة يجب أن تبنى التحالفات.
الصين بقوتها التصنيعية وسوقها الاستهلاكي الضخم (1.4 مليار مستهلك)، يمكنها أن تكون شريكًا حيويًا لأوروبا في مجالات مثل التكنولوجيا الخضراء والسيارات الكهربائية، حيث تُعدّ الشركات الصينية رائدةً عالميًا في تصنيع البطاريات عالية الكفاءة ومن جهتها تمتلك أوروبا خبراتٍ متقدمةً في الصناعات الدقيقة والابتكار، مما يخلق تكاملًا مثاليًا لبناء صناعات مستقبلية أكثر جودة ومناسبة لكلا الطرفين.
كما أن كلا الطرفين يُدركان أهمية الحفاظ على نظام تجاري متعدد الأطراف، فتصريحات الرئيس شي جين بينغ خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسباني أكدت أن الصين والاتحاد الأوروبي "يجب أن يتحملا مسؤولياتهما الدولية في مقاومة الأحادية"، وهذا التوجه يتوافق مع رؤية المفوضية الأوروبية، التي دعت إلى "تعاون عملي" مع الصين لضمان استقرار سلاسل التوريد العالمية؛ إذن نحن نتحدث عن تشاركية في الرؤى ولم يبق إلا التنفيذ.
أما بالنسبة للفرص والتحديات فالسؤال الأهم كيف يمكن تحويل الأزمة إلى منصة انطلاق؟ رغم التحديات إلا أنني أجد أن القمة الحالية تمثل فرصةً لإحياء اتفاقية الاستثمار التي جرى التفاوض عليها لسبع سنوات قبل إلغائها عام 2021 بسبب خلافات حول حقوق الإنسان، كما إن الذكرى الخمسين للعلاقات الدبلوماسية بين الجانبين توفّر سياقا تاريخيًا لإعادة التوازن إلى الشراكة، ولكن النجاح يتطلب خطواتٍ ملموسة، أولًا: تخفيف القيود المتبادلة، عبر فتح الأسواق الأوروبية أمام المنتجات الصينية ذات الجودة، وضمان معاملة عادلة للشركات الأوروبية في الصين، وثانيًا: تنسيق المواقف الجيوسياسية، خاصةً فيما يتعلق بأزمة أوكرانيا، حيث يمكن للصين لعب دور وسيطٍ بناءٍ يخفف من حدة التوتر مع روسيا، وثالثًا: مواجهة الحمائية الأمريكية، عبر تنسيق سياسات تجارية بديلة تُقلل الاعتماد على السوق الأمريكية.
الصين والاتحاد الأوروبي، يمكننا أن نقول بأنها شراكة تستحق العناء، والقمة ال25 بين الصين والاتحاد الأوروبي ليست مجرد لقاءٍ روتيني، بل محطةٌ مفصليةٌ في عالمٍ يتجه نحو التكتلات الاقتصادية وهنا تُبرز مدى الحاجة المتبادلة إلى تعاونٍ استراتيجي، والصين وأوروبا بقوتهما الاقتصادية وتاريخهما الدبلوماسي، قادرتان على صياغة نموذج جديد للعلاقات الدولية يقوم على التشاركية لا الصراع، وعلى المصالح المشتركة لا الأحادية القطبية، وأود أن أختم المقال بأن أقول إن اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، تُصبح القوة الحقيقية في القدرة على بناء الجسور، لا الجدران وهذا بالضبط ما يجب أن تكون عليه رسالة بكين وبروكسل للعالم.